قصة عمر بن الخطاب مع الجني بين الرواية الشعبية والتحقيق الحديثي

تمهيد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أحد كبار الصحابة وأمير المؤمنين بعد الخليفة أبي بكر الصديق. كان يتميز بقوة البدن، وشدة العزيمة، وصدق الاعتقاد، حتى قيل إن الجنّ …

admin
المؤلف admin
تاريخ النشر
آخر تحديث

قصة عمر بن الخطاب مع الجني بين الرواية الشعبية والتحقيق الحديثي

تمهيد


عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أحد كبار الصحابة وأمير المؤمنين بعد الخليفة أبي بكر الصديق. كان يتميز بقوة البدن، وشدة العزيمة، وصدق الاعتقاد، حتى قيل إن الجنّ يخافونه ويعترضونه. ومن بين ما يُروى عنه قصة مواجهة مع جنيٍّ أو جنٍّ في صراع يُظهِر منه شجاعته وعزيمته. سنتناول القصة، والمصادر، والتحقيق، والدروس المستفادة.

القصة كما تُروى

حسب ما ورد في بعض المصادر، فإن رجلاً من أصحاب النبي ﷺ التقى رجلاً من الجنّ، فصارعه فصرعه. وفي رواية تُنسَب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

«لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي ﷺ رَجُلاً مِنَ الجِنِّ فَصَارَعَهُ فِصَرَعهُ… قال الجنيّ: «عاودني» فعاوده فصرعه… قال له الأنسيّ: «إني لأراك ضئيلاً شحيباً كأنَّ ذريعتيك ذريعتا كلب، فكذلك أنتم معاشر الجنّ»… قال الجنيّ: «… فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك» فعاوده فصرعه… فقال: «هات علّمني». قال: «هل تقرأ آية الكُرسي؟» قال: «نعم». قال له: «إنّك لن تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان…»» إسلام ويب+4موقع اسد لبنان+4kingoflinks.net+4
وقد قيل إن ذلك الرجل من أصحاب النبيّ ﷺ هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه. موقع اسد لبنان+1

الفيديو التوضيحي

إليك فيديو يسلّط الضوء على هذه القصة:


هذا الفيديو يقدم سرداً مبسّطاً للقصة، مع تعليق وخلفية تاريخيّة.

التحقيق في صحة القصة

من المهم جداً التوقف عند مدى صحة هذه القصة، فإنَّ كثيراً من القصص التي تُروى في التراث الإسلامي تحتاج إلى تمحيص علمي. فيما يلي ما وَرَد في المصادر:

  • في موقع إسلام ويب قيل: «فلا يشك أحد له أدنى علم بالسنة … أن هذه القصة من الأباطيل والخرافات التي نسجها الوضّاعون على سنة النبي ﷺ … فلا يجوز لمسلم أن يروّجها إلا لبيان بطلانها وأنها مما لا أصل له.» إسلام ويب

  • أيضاً، في سؤال بموقع “الإسلام سؤال وجواب” قيل: «وأما عمر… فإنه كان يخاف الشيطان أن يفتنه، ويوسوس إليه، فكان يناصبه، ويستعدّ له، ويُنصر عليه، فكان الشيطان يخافه لاستعداده له، ومناصبته إياه …» Islam-QA+1

  • في موقع آخر وُجد أن القصة «وهيه» من حيث السند، وأنه لا يصح نسبتها دون تمحيص الرواية والإسناد. alilmia.com

استنتاج التحقيق:
القصة منتشرة في التراث الشعبي، لكن علماء الحديث والعقيدة يشيرون إلى ضعف السند أو انعدام الأصل القوي لها. لذلك، يُفضل التعامل معها باعتبارها من القصص التي يروونها الناس، وليست ثابتة من جهة الصحّة والإسناد. ومن الحكمة أن تُذكَر بهذا السياق، مع التنبيه الى أنها ليست من الأمور التي يُحتج بها في العقائد أو الأخلاق بلا تحقق.

الدرس الفقهي والروحي من القصة

رغم ضعف ثبوت القصة، إلا أنّها تحمل بعض الدروس التي يمكن أن نستفيدها منها، بشرط ألا نأخذها كموقف تأريخي مطلق دون تحقق:

  1. خشية العبد من الشيطان واستعداده له: فقد ورد أن الشيطان يخاف من عمر بن الخطاب، لأنه استعدّ له ولم يهن عليه. Islam-QA+1

  2. قوة الإيمان وعدم الاستسلام للوسوسة: عمر رضي الله عنه كان من أولياء الله الذين لا يلينون، مما يجعل الشيطان يترقّب، لكن لا يجد منفذاً.

  3. التمييز بين القصة كموعظة وبين إثباتها تاريخياً: لا يجوز أن نتعامل معها كحقيقة أكيدة دون دليل، بل كقصة فيها عبرة، مع التزام الصدق العلمي.

  4. أهمية قراءة ما يُذكَر في القرآن أو السنّة: في القصة يُذكر ذكر لـ آية الكرسي، ولكن العلماء يقولون إن الجني إنما علّمه أن قراءتها تخرّج الشيطان، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذا الأمر من عمر تحديداً. إسلام ويب+1

  5. الموقف من القصص الشعبية: المؤمن يجب أن يتعامل مع القصص برزانة: إن كانت تُروى للتهذيب فحسناً، وإن كانت تُعرض كحقيقة مطلقة بلا سند — فالحذر واجب.

سياق القصة في حياة عمر بن الخطاب

من المعروف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه له مكانة عظيمة في الإسلام: عدله، قوته، إيمانه، مكانته في الصحابة، وخلافته التي تميّزت. وله من الفضائل ما يجعل الحديث عن خوف الشيطان منه مقبولاً من حيث المعنى (أي: أن الشيطان لا يجد فيه منفذاً). مثلاً:

  • وردت نصوص تقول: «ما لقيكَ الشيطانُ قطّ سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجّكَ». Islam-QA+1

  • هذا لا يعني أن الشيطان في كل الأحوال كان يصارعه، لكن الأمر يدلّ على أن عمرًا كان في مقام قلّ فيه تأثير الشيطان.

في هذا الإطار تُروى قصة المصارعة مع الجنيّ — ربما بهدف إظهار مدى قوة إيمان عمر واستعداده للعدوّ الخفي — حتى لو كانت القصة ليست من الثابتات بإسناد صحيح.

تحقيق علمي مفصّل في إسناد القصة من كتب الحديث والرجال، مع ترجمات للرواة، حتى تعرف مدى قبولها بدقة علمية.

🔍 ما وُرِي من القصة

  • هناك نسبة لرواية عن عبد الله بن مسعود يقول فيها:

    «رَجُلاً من أصحاب النبيّ ﷺ لَقِيَ رجُلاً من الجنّ فصارعه فصرعه… قال: «إني لأراك ضئيلاً… كان ذريعتيك ذريعتي كلب»… فقال له الجنيّ: «إنّك لن تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان…»». alilmia.com+4موقع اسد لبنان+4إسلام ويب+4

  • وفي أحد المسارات: عندما سُئِل ابن مسعود: «من ذلك الرجل؟» قال: «من يكون إلا عمر». موقع اسد لبنان+1

  • لكن المواقع التي تحقق في الأمر كـ Islam Web ترى أن القصة غير مثبتة أو «باطلة من حيث الأصل» كما جاء في فتوى الصادر عليها. إسلام ويب

  • مثلاً: في الفتوى رقم 171155 بـ “إسلام ويب”:

    «فإنّ هذه القصة من الأباطيل والخرافات التي نسجها الوضّاعون على سنة النبي ﷺ … فلا يجوز لمسلم أن يروّجها إلا لبيان بطلانها وأنّها مما لا أصل له.» إسلام ويب

  • أيضاً في فتوى إنجليزية: «A man from among the Companions…» ـ تسأل: ما درجة هذا الخبر؟ فتجيب بأنه لا أصل له أو لا يُعرف له إثبات موثوق. إسلام ويب

🧮 تحليل أسباب ضعف القصة

من التحقيقات التي قرنت السند والمحتوى، نستطيع حصر النقاط التالية:

  1. السند غير مضبوط

    • القصة لم تَرِد في كتب الحديث الموثوقة بصيغ صحيحة موثوقة مثل البخاري أو مسلم.

    • على سبيل المثال، في موقع “العلمية” ـ منتدى تحقيق الحديث ـ ذُكر بأن القصة واهية بالسند: «… وبهذا يتبين من الإرسال الإسقاط … والطعن في الراوي». alilmia.com

    • يُقال إن الرواة بين طريق القصة غير معروفين أو مرسَلين (منقطع السند).

  2. طول السرد الشعبي والمضافات

    • القصة تحوي تفاصيل مثل: «ذاع أن الرجل من أصحاب النبي ﷺ هو عمر»، «أن الجني علمه آية الكرسي»، إلخ. ووجود هذه الإضافات غالباً يدلّ على «أسطورة شعبية» أكثر من خبر حديثي مضبوط.

    • المواقع التي تحقق مثل “البداية والنهاية – باب في هواتف الجنّ” تعرض الحكايات لكن معها تنبيه إلى أنها ليست عالية الثبوت. ويكي مصدر

  3. المحتوى لا يتوافق مع منهج التحقيق الحديثي

    • الأخبار التي تتحدّث عن أفعال خارقة أو مصارعة الجنّ تحتاج سنداً مميزاً، وهذا الخبر لا يظهر ضمن الأسانيد المقبولة.

    • العلماء قالوا: يجوز أن يُروى للقصة “للموعظة” لكن ليس كمعلومة يُعتمد عليها في العقيدة أو التاريخ دون تدقيق. مثلاً: موقع إسلام ويب صرّح بذلك. إسلام ويب+1

✅ النتيجة: هل يمكن الاعتماد عليها؟

  • لا يمكن القول بأنها مثبتة من حيث السند، فهي ضعيفة أو غير ثابتة حتى الآن.

  • لذلك لا يجوز استخدامها كدليلٍ شرعي يُستدل به في العقائد أو الفقه كأنها حدث موقّع من عند الصحابة، إلا مع التنبيه بأنها من القصص الشعبية.

  • لكن يمكن استفادة معنوية منها (مثل: قوة الصحابة، الخشية من الشيطان، أهمية القرآن) بشرط ذكر أن مصدرها “مروي لكن ليس ثابتًا بالسند”.

  • وفي التعامل معها: الأفضل أن يُقَال: «رُوِي أن…» وليس «ثبَت أن…».

الخلاصة

  • القصة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه واجه جنيّاً أو جنّاً في صراع، وصرعه، وبذلك علِمته آية الكرسي أو وجّهَه إلى قراءتها، وما قالها الشيطان إلا خرج من البيت.

  • التقييم العلمي: القصة تحمل كثيراً من علامات الضعف في السند، والعلماء يحذرون من نسبتها بشكل مطلق، ويصنّفونها ضمن القصص التي لا أصل ثابت لها.

  • الفائدة: من المهم أن نستفيد منها كدرس روحي وأخلاقي (الشجاعة، الاستعداد للشيطان، قوة الإيمان)، لكن ليس كمعلومة تأريخية مؤكدة بلا سند.

وهذا والله اعلم ..

تعليقات

عدد التعليقات : 0